Home تاريخ بيت محسير
تاريخ
مقتطفات تاريخية PDF طباعة أرسل إلى صديق
الكاتب: Main Author   
تتألف القرية من عدد من الحمايل ينتظم بهاكافة سكان القرية وهذه الحمايل تمثل بأصولها المختلفة شريحة حية لما تمثله ارض فلسطين من تنوع العناصر المختلفة التي عاشت في فلسطين مهد الحضارات وبلد الرسالات فاهل فلسطين هم سلالة الكنعانيون وهم من القبائل السامية القديمة الذين عاشوا بلا انقطاع منذ فجر التاريخ ولمدة زادت عن اربعة الآف من السنين وقد انصهر في المجتمع الفلسطيني اجناس مختلفة ممن حاول غزوها او اتى اليها كتاجر او ممن اتى معتكفا اوملتجأ من ظلم الغير او حاجا فقد اتى اليها المصريون القدماء ومن سكان وادي الرافدين وهما من العناصر التي سيطرا على فلسطين لمدة طويلة ثم اتى اليونان والرومان والفرس والكثير ممن اتوا طامعين فيها وبخيراتها وقبل الفتح الاسلامي تدفق اليها موجات من القبائل العربية التي كانت تسكن الحجاز وفي اصل معظمهم من قحطان اليمن مثل قبائل لخم وجذام وعاملة وغيرهم من القبائل اليمنية فكان الطابع العربي صابغا اساسيا لمعظم المناطق في فلسطين وبعدها بفترة اي بعد الفتح الاسلامي تدفق اليها موجات اخرى من القبائل العربية من طي وقيس وكنانة فلعبت هذه القبائل دورا كبيرا في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
وفي العصور الاسلامية المتأخرة مثل الايوبيين والمماليك والعثمانيين استقرت اعداد كبيرة من الجيوش القادمة وانصهرت في المجتعات المحلية فاصبحوا جزءا لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني
ومع بداية نشوء الدولة العثمانية وبسط نفوذها عى المنطقة الغربية لبلاد الشام ومصر والحجاز كان يسكن هذه القرية عدد من العشائر منها العصدية و العبابدة و النجاجرة و الملالحة وكانت هذه العشائر هي سكان بيت محسير حتى انتصار السلطان سليم الاول على المماليك في معركة مرج دابق سنة 1516 م.
وكانت خربة المساعدة القريبة من بيت محسير اهلة بعشيرة العبابدة فقد كانوا يرعون اغنامهم نهارا ويأوون الى مساكنهم ليلا
وكان بالقرب منهم مركز قرية كسلا التابع لدولة العثمانية فعندما استعد الجيش المصري لملاقاة السلطان سليم الاول كان لابد له من تدمير مواقع السيطرة للعثمانيين فقد هاجم الجيش المصري خربة المساعدة ظنا منه انها مركز قرية كسلا الذي يشرف على السيطرة على الخط البري بين غزة والقدس فقتلوا كل الموجودين وخربوا ودمرا هذه الخربة ولم ينجوا من هذه المجزرة سوى من كان يحرس الاغنام وكان عددهم 2-3 اشخاص فعندما عادوا الى مساكنهم ووجدوا حال الخربة وما حل بها ، فسكنوا داخل قرية بيت محسير وعاشوا ليكونواعشيرة العبابدة وهم عباد وعواد وتكاثروا ليصبح كل منهما عشيرة

اما وفي حوالي منتصف القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي ارتحل الى ارض فلسطين اربعة من الاخوة قدموا من منطقة العلا من ارض الحجاز فسكن احدهم في وادي الحوارث في شمال فلسطين والاخر في منطقة الخليل والثالث في منطقة راس سمعان اما الرابع وهو الحاج احمد الحروب (من عشيرة حرب) فقد سكن بيت محسير فانجب من زوجته الاولى سعاده وداوود واسكن زوجته الثانية قرية ساريس وانجبت له اربعة من الابناء وهم حمد وحماد وسليمان وابو حجوج

كانت القرية تعيش في استقرار وهدوء لا يعكر صفوها شيء وازداد اهلها كثرة ونماء حيث اصبح اولاد عباد وعواد عشيرة وتكاثرت العشائر لتصبح عشيرة النجاجرة والممالحة عشائر كثيرة العدد وازداد اولاد الحاج احمد واصبح كل واحد منهم عشيرة .
ولكن شأن باقي الامم والمجتمعات الانسانية كلها فقد استطاع اهالي بيت محسير السيطرة على جميع المشاكل التي واجهوها فمن تلك المشاكل التي تعتصر القلب دما ما حدث بقصة عشيرة الملالحة وعائلة سعادة ، حيث توفي رجل من عشيرة الملالحة فذهب الصبيان مع من ذهب الى مقبرة القرية ليجهزوا القبر فكان هنالك صبي قد اتعب الأشخاص الذين يحفرون القبر ، فاخذ رجل ممن يحفرون القبر الصبي يضع الطفل في القبر – لتخويفه – حتى يبتعد عنهم وكان ان عاد الطفل الى والديه في المساء واخبر أباه بما حصل فذهب الاب الى عشيرة الملالحة حيث اخبرهم انه سيضع الطفل في ضمانتهم لمدة ثلاثة اشهر ، فقدر الله ان يتوفى الطفل قبل نهاية الضمانة حيث اعتقد الرجل ان عشيرة الملالحة لها اليد الطولى في موت ابنه فاخذ يعد العدة للأخذ بالثار وقد هاجم عشيرة الملالحة وقد تم ترحيل العشيرة الى قرية يالو التي تبعد عن القدس 14 كم حيث ضمت هذه القرية بعد هذه الحادثة كلا من العائلات التالية العبابدة و النجاجرة و سعادة و داوود
وكانت هذه الحادثة على الاغلب في اواسط القرن الثامن عشر وبعد مدة من الزمن تقدر بحوالي 11 سنة تم قتل صالح واستلم زمام الامور الشيخ علي صالح(1813-1923) حيث كان الابن الثالث لصالح فقد عمل هو وإخوانه من أهل الرأي والشورى حيث جمعوا الاهالي وكانت هذه الفترة من اكثر الفترات ازدهارا لهذه القرية .

لفتة تاريخية


كانت حدود قرية بيت محسير حتى منتصف القرن الثاني الهجري الثامن عشر الميلادي من الغرب جهير الشيخ صالح ومن الشرق معصرة سليم حسن ومن الجنوب وادي كسلا ومن الشمال خط باب الواد ولكن بعد ذالك انتبه الاهالي للظروف المنطقة مما دفعهم الى التوسع بشراء الاراضي الواسعة التي تحدهم فقد استملكوا اراضي حتى وصلوا الى منطقة دير سلام ودير محيسن التي تبعد 13كم عن ارض القرية من الغرب

قصة شراء اراضي دير محيسن
تمت شراء اراضي دير محيسن عام 1830 م فقد كانت دير محيسن تقع ضمن الممتلكات للدولة العثمانية ، الا انها كانت مؤجرة لمجموعة من اهالي القرى المجاورة لها الذين كانوا يزرعونها ويرعون فيها مواشيهم ، فقد كانت عشيرة الكلابية وأل حنيحن من خلدة يستغلون الجزء الغربي منها ،بينما يستغل الجزء الشرقي عشيرة الشريخات الذين يسكنون قرية ابو شوشة
عرضت الحكومة العثمانية الارض للبيع وعندما علم اهالي بيت محسير بهذا الامر وان كلا من الشريخات والشيخ عمر المزاهرة يريدون شراءها اسرع الشيخ يوسف صالح ورجال من اهالي بيت محسير يركبون الخيل وكانه في سبق الى الرملة ودخلوا على السيد سليم بيك الحسيني ودفعوا ثمن الارض وهكذا اصبحت دير محيسن تابعة في املاك قرية بيت محسير


غزو ابو غوش
كان ابو غوش يقيم في قرية العنب ، حيث كان له نفوذ واسع ويتبع لامره العديد من القرى الموجودة في منطقة جبل القدس الشمالي مثل (قرى بني زيد) حتى وصل نفوذه الى منطقة الرملة . وبما ان اراضي دير محيسن تتبع الرملة وتدخل في حدود اطماعة للسيطرة على المنطقة فقد بيت نية الاستيلاء والسيطرة على اراضي دير محيسن
ففي احدى لايام جمع ابو غوش اتباعه واحلافه ومن والاه واستطاع الانقضاض على اهالي بيت محسير واخوانهم من اهالي ساريس الموجودين في مقام الشيخ عبيد الواقع في خربة سوسين مستغلا ان رجالات بيت محسير على رأسهم الشيخ يوسف صالح موجودين في منطقة عرب الوحيدات في السكرية فقد هب فرسان الوحيدات وعلى راسهم يدعى (كلوب) واستنفر معه العديد من عرب الجبارات ومن بينهم عرب الامير وساروا متجهين من وقتهم صوب دير محيسن حيث استطاعوا فك طوق الحصار المضروب على مجموعة من اهالي بيت محسير واهالي ساريس واستطاعوا ان يطاردوا جماعة ابو غوش واتباعه حتى اوصلوهم الى منطقة يرده
حيث منذ تلك الوقعة واصبح اهالي بيت محسير يغنون بالحصاد هذه الابيات

يوم يرده يا عذاب يوم يرده يوم الخراب
يوم يرده شالشوها بالقنا لما داسوها
يوم يرده يا عذاب وانتصب سوق الحراب


وبعد هذه الوقعة لم يكن بين سكان اهالي بيت محسير وابو غوش سوى علاقات طيبة يسودها حسن الجوار

غزو العرقوب
بعد ان مضى بضع سنين على الوقعة رأى المزاهرة ان هذه الارض الخصبة قد افلتت من ايديهم فعاوده الطمع وهو واحلافه للسيطرة والاستيلاء عليها ،وفي ذلك الوقت كان امزاهرة من حلفاء قرى منطقة العرقوب اتباع اللحام ، فقد كان عدد قرى هذا الحلف سبع عشرة قرية تقع الى الجنوب الغربي من القدس ، وفي احدى الليالي تقدم حشود من اهالي خلدة وبيت فار والعرقوب الذين كانوا تحت قيادة اللحام والمزاهرة الى منطقة دير محيسن للاستيلاء على اراضيها جمع اهالي بيت محسير ما يستطيعون لصدهم وعندما علم ابو غوش ان اللحام والمزاهرة يريدون مهاجمة دير محيسن جمع حشوده وقدم الى الموقع ، فاجتمع اهل الراي والشورى من المحاسرة تحت سدرة دير محيسن ليتباحثوا بالامر فقد علموا انهم يستطيعون صد هجوم خصمهم بلا مساعدة من القرى المحيطة او من احلافهم حيث تخوفوا من انهم ان اشركوا حشود ابو غوش في الوقعة فلا بد له ان يطالب بنصيب من الارض ، لذا قرروا ان يحسنوا ضيافة او غوش ومن معه وان لا يوصلوهم الى مكان المعركة ، فغضب ابو غوش من هذا الفعل وقال لهم انما اتيت لخوض معركة وغادر هو وحشوده المكان وعادوا واستطاع اهالى بيت محسير صد الهجوم ودحروا حشود العرقوب واللحام والمزاهرة واحتفظوا باراضي بيت محسير
 
الصراعات الداخلية في جبل القدس PDF طباعة أرسل إلى صديق
الكاتب: Main Author   

الصراعات الداخلية في جبل القدس في العهد العثماني مثله مثل باقي مناطق فلسطين شهد جبل القدس سلسلة من الصراعات الداخلية في العهد العثماني ازدادت ضراوة هذه الصراعات في القرن التاسع عشر الميلادي ، صحيح أن هذه الصراعات لم تتحول إلى حرب أهلية شاملة قسمت الجبل كله ، فجبل القدس كونه مركز فلسطين من ناحية جغرافية كان يحتوي على مدينة القدس ذات المكانة الخاصة في فلسطين والعالم العربي والإسلامي وقد لعب التحزب بين القيس واليمن دوراً أقوى من الدور الذي كان في جبل نابلس وكان أغلب الصراعات تجري تحت رايتي هذين الحزبين ومن الخصائص المميزة لصراعات جبل القدس ، أنها كانت تجري على أكثر من جبهة فهي شملت جبهة الصراع مع السلطة العثمانية والحكم المصري ومع جيوش نابليون وكذلك شملت الصراع بين صفي قيس ويمين وبين صف قيس نفسه في المناطق معينة في الجبل ‏وكان بالطبع لعشائر جبل القدس حلفاء مع عشائر جبال فلسطين الأخرى أما بالنسبة للموقع الجغرافي فانه كان يتحدد في العهد العثماني تبعاً للمناطق التي تسيطر عليها عشائره وفي أقصى سيطرة لهذه العشائر في القرن التاسع عشر كانت حدوده كما يلي : -
• من الشمال حتى سلفيت ومن الجنوب حتى جبال الخليل ومن الشرق حتى أغوارة اريحا والبحر الميت ومن الغرب حتى اللد والرملة والساحل الفلسطيني وكانت تسيطر على جبل القدس العشائر التالية :
ناحية بني زيد ، ناحية بني مرة ، ناحية بني سالم ، ناحية بني حمار ، ناحية بني حارث الشمالية ، ناحية بني حارث القبلية ، ناحية بني مالك ، ناحية العرقوب ، ناحية القدس ، ناحية بني حسن وتقع إلى الجنوب الغربي من القدس وكانت تضم 13 قرية ومن هذه القرى المالحة ، الولجة وكان شيوخ هذه المنطقة هم آل درويش وقد ضمت هذه الناحية عام 1871 حوالي 2540 ن وكان لكل قرية شيخ من هذه القرى يدعى شيخ القرية ولكل ناحية زعيماً أكبر يدعى شيخ المشايخ وكان شيخ المشايخ هذا يتم الموافقة عليه من قبل متسلم القدس بناءً على اعتبارات معينة أولها أن يكون قوياً بما فيه الكفاية وهكذا كان يتم اختيار شيخ المشايخ من أقوى عائلات الناحية وبموافقة شيوخ قرى الناحية جميعها وكانت السلطة العثمانية لا تستطيع أن تفعل مع أي شيخ ألا أن تطلب تعيين أخيه أو أبنه محله ولا تستطيع أن تفرض مرشحها لذلك، وكثيراً ما كانت تنقسم الناحية إلى طرفين يؤيد كل طرف منها شيخ قوي وكانت تشتد الصراعات وتصل إلى حد الحروب المحلية التي كانت تخلف الدمار وكثير هي الأمثلة على هذه الصراعات داخل النواحي للسيطرة على منصب شيخ المشايخ ومن هذه الأمثلة.:
الصراع الذي حدث في ناحية بني حسن بين آل علي شيخه في المالحة وبين آل درويش في الولجة في بداية القرن التاسع عشر وفي النصف الثاني منه أيضا.
وكثيراً ما كانت الصراعات على زعامة ناحية معينة تجر حروباَ اشمل بين نواحي كثيرة أو بين تحالف صف قيس ويمين بشكل أعم مثلما كان يحدث في الحروب المتواصلة في التصارع على منطقة بني حسن في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والذي كان صنف هنا يؤيد طرفاً في بني حسن وما أن شارف القرن الثامن عشر على الانتصاف حتى كانت عائلة أبو غوش من العائلات الإقطاعية المتنفذة فأخذت تسعى لزعامة المنطقة ويبدو أن منافسيها من هذه الفترة كانوا شيوخ منطقة بني حسن الذين كانوا ينتشرون في عشرات القرى ويسيطرون على المنطقة وفي العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر كان قد دب الشقاق بين عائلات بني حسن مما أدى إلى نشوب حروب طويلة بينها أدت إلى إنهاكها وضعفها مما أعطى الفرصة لآل أبو غوش فعززوا سيطرتهم وتسلموا لواء صف اليمين في منطقتهم وفي جبل القدس كان من أشهر زعماء أبو غوش في ذلك الوقت عيسى أبو غوش الذي حاول مرة أخرى أن يوسع نفوذه فاصطدم مع آل السحمان في الشمال ومع بني حسن في الجنوب وفي عام 1796 م ،ثم حصلت هدنة عشائرية كما هو مسجل في المحكمة الشرعية في القدس وأسمه عثمان أبو غوش شيخ ناحية بني مالك على رأس قائمة المشايخ الذين حضروا الصلح العشائري بين أهالي ناحية بني حسن وبين جيرانهم التعامرة والوادية وزعماء العرقوب .
وقد امتلأت سنة 1853 بالنزعات التي لا نهاية لها على قرى ناحية بني حسن وفي ربيع سنة 1853 عمل متسلم القدس مرتين على عقد هدنة بين آل أبو غوش الذين تولوا قيادة اليمين وآل اللحام " اليمين الأصل " الذين تولوا قيادة القيسين وفي شباط 1855 وقعت الضربة المضادة فقد جاء آل أبو غوش لنجدة عطا الله اللحام واستولوا على بيت عطاب وسجنوا عثمان اللحام وقد خذلة " عزرائيل " محمد عبد النبي العملة الذي دعاه هو وجماعته لنجدته ولكن تم بعد ذلك ترتيب هدنه بين عثمان اللحام ومحمد عطا الله مدتها شهرين لكن هذه الهدنة كانت تسري على العرقوب ليس الا، بينما استمرت الاشتباكات الموضعية في بني حسن بين عشيرتي أحمد عيسى وعلي شيخة بوجه خاص من المالحة ويذكر البرغوثي أن بين عائلات جبل القدس المتنفذة علي شيخة في بني حسن من مركزهم المالحة وزعماءهم اليوم آل درويش .
مما نريد ذكره أنه قبل مائة وخمسون عاماً وعلى أثر النزاع العشائري بين بني مالك وبني حسن هاجر قسم من بني حسن إلى منطقة جنين وسكنوا في قرية عرابه وبعد ذلك رحلوا إلى منطقة عربونة في جنين وما زالوا يعرفون بني حسن ، وكذلك يوجد قسم منهم في اليامون من قرى جنين ، أما القسم الثاني من بني حسن فقد رحل إلى منطقة غزة وقد إنقطعت أخبارهم أما الأكثرية من بني حسن فقد بقيت في قرى القدس الغربية الجنوبية ، ويوجد عشائر بني حسن في الأردن وتوجد صلة قرابة بينهم وبين بني حسن فلسطين ، ويتمركز بني حسن الأردن في محافظة الزرقاء وهم قسمان الثبته وبنو هليل .
 
ثورة القدس 1824-1826 م PDF طباعة أرسل إلى صديق
الكاتب: Main Author   
بسم الله الرحمن الرحيم

إعداد:
د. خالد محمد صافي
قسم التاريخ - جامعة الأقصى



المقدمة

تتناول هذه الدراسة ثورة القدس في الفترة بين 1824-1826م. وتمتاز الثورة بندرة المادة التاريخية عنها. فلم يرد ذكر لثورة القدس في المصادر التاريخية اللبنانية المعاصرة ومنها مثلاً كتاب الأمير حيدر الشهابي "تاريخ لبنان في عهد الأمراء الشهابيين"(1)، أو نوفل نوفل في كتابه "كشف اللثام عن محيا الحكومة والحكام في مصر وبر الشام(2)، أو كتاب ميخائيل مشاقة "منتخبات من الجواب على مقترحات الأحباب"(3)، كما لم يرد ذكر لها في المصادر السورية المعاصرة مثل تاريخ ميخائيل الدمشقي المعروف(4)، وكتاب حسن آغا العبد الموسوم بـ "قطعة من تاريخ حسن آغا العبد"(5). ويبدو أن كون الحديث عن ثورة في القدس لم يحدث بها تدخلاً لبنانياً مباشراً مثلما حدث في مهاجمة قلعة صانور 1829م فإنها لم تثر اهتمام المؤرخين اللبنانيين. ولكن ما يثير الاستغراب هو المصادر الدمشقية التي لم تتناول ذلك بالرغم من مشاركة والي دمشق مشاركة فعلية في الشطر الأول منها. وقد تم تغطية الحدث فقط من قبل راهب يوناني يدعى نيوفتوس سبيريدوم ""Neophytes Spyridon كان يقيم في دير يوناني في القدس ووثق الأحداث في كتاب تحت عنوان "حوليات فلسطينية 1821-1840" والذي كان له الفضل في إماطة اللثام عن تفاصل هذه الثورة. وبالتالي يمكن القول إن هذا المصدر يعد المصدر الوحيد لهذه الثورة، وأن أي معلومات أخرى تتعلق بها قد جاءت على شكل شذارات قليلة سواء في وثائق الأرشيف المصري حول تلك الفترة، أو في سجلات المحاكم الشرعية.

ثانياً: أسباب الثورة

قامت الحكومة العثمانية سنة 1824م بعزل والي دمشق درويش باشا واستبدلته بوالي حلب مصطفى باشا الذي حكم ولاية دمشق في الفترة بين 1824- 1826م. حيث كان ظالماً ففرض ضرائب باهظة على السكان لم يكن لهم عهد بمثلها. إذ إن الأعشار التي طلبها وكلاء الباشا في تلك السنة تصل إلى عشرة أضعاف الأعشار التي فرضت في السنة السابقة. وقد أدى ذلك إلى سخط وتذمر السكان الذين شاركوا في ثورة ساهم بها الكثير من الفلاحين(6). وقد قال الراهب نيوفيتوس: "وقد عانت منطقة القدس سنة 1824م كثيراً في عهد مصطفى باشا (والي حلب) الذي خلف درويش باشا في منصب ولاية دمشق. حيث طلب ضرائب باهظة وهدايا من الفلاحين ومن الأديرة المسيحية. فقد طلب من الفلاحين عشرة أضعاف ما يطلب منهم من أعشار في العادة. ولذلك حدث تمرد كبير وثار معظم الفلاحين. وحيث أن الفلاحين لا يتوفر لديهم أكثر من خبز يومهم ومع ذلك أُجبروا على دفع ليس فقط ضعف مقدار الضريبة السنوية وهي (60000 قرش) ولكن أيضاً الضريبة كبيرة لعرب العبيدية الذين لا يدفعون شيئاً للوالي"(7). فمثلاً كان يفترض أن يدفع عرب العبيدية مبلغ 9000 قرش سنة 1824م، ولكنهم رفضوا الدفع. ولذلك تم اعتقال بعضهم فهب أقاربهم وجيرانهم إلى دير الأخوية المسيحية اليونانية من أجل طلب الإفراج عنهم. ولكن كان من الصعب ذلك بدون دفع المبلغ المطلوب. وبعد نحو أثني عشر يوماً ذهب عرب العبيدية إلى دير مار سابا وفتحوا ثغرة في السور. وقد قامت الأخوية باقتراض المال بنسبة فائدة عالية ودفعوا 9000 قرش إلى موسى بك عن عرب العبيدية(.
وكانت الدولة العثمانية منشغلة آنذاك في القضاء على الثورة اليونانية، وعملت على فرض ضرائب باهظة على الرعايا بصفة إعانة حربية(9).

ثالثاً: وقائع الثورة:

يمكن تقسيم وقائع الثورة إلى عدة مراحل:
أ : اندلاع الثورة وتعسف الوالي في قمعها
عين مصطفى باشا متسلماً جديداً على سنجق القدس هو موسى بيك بدلاً من سليمان بيك الذي كان في عهد الوالي السابق درويش باشا والذي فشل في تحصيل الضرائب الباهظة التي فرضها الوالي الجديد(10). وبقي مصطفى بيك تفكجي باشا، واستخدم العديد من الوسائل مع أعيان القدس من أجل الاستيلاء على حصة كبيرة من الضرائب التي يدفعها مسيحيو القدس والفلاحون. وعندما رأى مصطفى باشا أن الفلاحين سوف يدفعون فقط الضريبة المعتادة، وأنهم يمتنعون حتى عن دفعها حاول أن يجبرهم على دفعها. فأرسل مائة جندي لحراسة قلعة القدس حيث لا يوجد هناك سوى ستين فقط لحمايتها. ثم أرسل إلى المتسلم لمضاعفة الضريبة على الفلاحين حيث أطاع الأمر وبدأ بتنفيذه. ولذلك قام الفلاحون على الفور بالثورة حيث طردوا رجال المتسلم من قرى نواحي السنجق(11). وكان على رأس الفلاحين آل أبو غوش في ناحية بني مالك ومشايخ بيت لحم ومنطقتها(12).
وكان سنجق القدس مقسماً إلى عدة نواحٍ هي:
- ناحية بني حارثة: وهي تقع شمال القدس وتمتد بين القدس ونابلس، وتولت إدارتها عائلة سمحان.
- ناحية بني مالك: وتقع إلى الغرب من القدس بينها وبين يافا، وتولت إدارتها عائلة أبو غوش.
- ناحية بني حسن: وتقع إلى الجنوب وتشمل قرى المالحة وبيت إكسا.
- ناحية الوادية: وتشمل قرى بيت لحم، وبيت ساحور، وبيت جالا.
- ناحية بني سالم
- ناحية بني مرة
- ناحية بني زيد

وكان يتولى إدارة الناحية شيخ مشايخ، وكان منصباً متوارثاً ضمن الأسرة الواحدة كأسرة أبو غوش(13).

فأبلغ المتسلم الباشا برفض الفلاحين دفع الضرائب فقرر أن يقود بنفسه دورة جباية الضرائب السنوية من ألوية جنين ونابلس والقدس. وجمع على الفور جيشاً من خمسة آلاف رجل، وانطلق من دمشق إلى نابلس حيث بقي هناك عشرين يوماً لجمع الضرائب التي قررت من نواحيها(14).
ثم توجه إلى سنجق القدس حيث أخذ يجبي الضرائب، وقام بسلسلة تعيينات جديدة لرجال الحكم والإدارة في مدينة القدس بما فيها تعيين متسلم جديد هو عثمان آغا. ونجح في القبض على أحد زعماء آل أبو غوش، فاضطر أخوه إلى دفع 35 كيساً (500 17) في سبيل إطلاق سراحه(15).
وقد علم الفلاحون في منطقة القدس بغضب الباشا ومقدار القوة المصاحبة له فخشوا من نقمته فاختلفوا في كيفية معالجة الأمر. فقرر بعضهم الاستسلام ودفع المبالغ المطلوبة بينما قرر آخرون المقاومة فيما قرر البعض الآخر الهرب. فهؤلاء الذين يعيشون في القرى حول مدينة القدس مثل سكان سلوان ووادي شعفاط شرق القدس، والمالحة وعين كارم والولجة في الغرب وبيت حنانيا وبيتين إلى الشمال وصور باهر وبيت صافا وقرى أخرى مع بعض سكان بيت جالا أخذوا نساءهم وأطفالهم و بهائمهم وممتلكاتهم المنقولة وهربوا إلى أماكن ذات ممرات وعرة. أما سكان بيت لحم الذين تحالفوا مع عرب التعامرة و آل اللحام و فارين من قرى أخرى فقد حصنوا ثلاثة أديرة من أديرة اليونانيين، والفرانك والأرمينيين وقررا القتال. وقد لجأ سكان المالحة إلى دير الصليب المقدس جالبين معهم كل ممتلكاتهم المنقولة، وقمحهم وشعيرهم وجبنهم وزيتهم وزبدتهم وملابسهم مخفين فيها أساور الفضة وأغطية الرأس للنساء (التي تحتوي على قطع نقدية فضية وذهبية). بينما قام سكان صور باهر وبيت صفافا وبيت جالا وبعض سكان بيت لحم بإحضار ممتلكاتهم إلى دير مار إلياس وأخفوها هناك. بينما أخفى عرب العبيدية ممتلكاتهم الصغيرة في دير مار سابا(16).

وعندما وصل الباشا إلى القدس في نهاية شهر فبراير 1825م، لم يحضر فلاحو القرى لدفع التزاماتهم، وعندما علم الباشا بهربهم أمر جنوده بالاستيلاء على قراهم وتدميرها. ولكن عندما ذهبوا إلى هناك لم يجدوا شيئاً بل منازل خاوية وأكواخاً. ولسوء الحظ فإن بعض أتراك القدس قد شاهدوا سكان بيت جالا يحملون ممتلكاتهم إلى دير مار إلياس فأفشوا ذلك إلى موسى بك نائب المتسلم الذي أراد أن يبرز قدرته على القيام بواجبه ومن أجل نيل رضا الباشا فقدم تقريراً له حول هذا الأمر. وفي الحال أرسل الباشا جنوده لنهب الدير أخذين قمح و شعير وملابس الفلاحين وكذلك ممتلكات الأخوة المسيحية. وقبضوا على رئيس دير مار سابا ويدعى فلافيانوس "Flavianos "، وجلبوه إلى معسكر الباشا الذي اتهمه بالخيانة على عدم قدومه إلى معسكر الباشا وتقديم تقرير عن إخفاء الفلاحين ممتلكاتهم في ديره. واتهمه بأنه شريك للمتآمرين وأنه يستحق الإعدام، وأصدر أمراً بإعدامه. ولكن قبل التحرك لإعدامه طلب الباشا من الحرس الذين سيعدمونه بإعادته ومنحه الحياة إذا أدلى بمكان إخفاء نقود الفلاحين. فأنكر فلافيانونس أنه شاهدها فأمر الباشا عند ذلك بوضعه على جذع وضربه خمسمائة جلده على قدميه. وسحبوه نصف ميت واستجوبوه مرة أخرى ولكن فلافيانونس لم يستطع الكلام فتم تقييده بالسلاسل ووضعه مع المعتقلين الآخرين في مبني بلا سقف بالرغم من أن الطقس كان بارداً وماطراً. وبعد تدخل تم الإفراج عنه وإعادته للدير حيث تم تقديم العلاج المكثف له حتى أنقذت حياته ولكنه بقي يعاني من عرج في قدميه حتى وفاته(17).

وبعد أن علم الباشا بأن أن فلاحي المالحة قد أخفوا ممتلكاتهم في دير الصليب المقدس أرسل جنوده واستولوا عليها. وتم حفر الدير في عدة أماكن للبحث عن النقود وودائع أخرى تعود للفلاحين. كذلك بلغ الباشا أن سكان بيت لحم والعديد من سكان قرى بيت جالا وعين كارم وكذلك من سلوان قد أخفوا ودائعهم في منازل محددة. لذلك وبناء على أوامر الباشا تم اعتقال العديد من المسيحيين واليونانيين وحتى من مسلمي القدس واستجوابهم عن أماكن ودائع الفلاحين. قد عانوا الكثير وأُجبروا على دفع غرامة كبيرة. وقال الراهب "نيوفيتوس": "المصيبة عمت كل مكان داخل وخارج القدس"(18).

ولم يرغب الباشا بالوصول إلى صلح مع الفلاحين أو تخفيض طلباته وكان يرى بحسم الأمر عسكرياً. وقام أولاً بإرسال ألفين من الجنود من أجل إخضاع بيت لحم ولكنهم لم ينجحوا حتى في الوصول للمدينة. وقام بزيادة جيشه من قبل فلاحين مرتزقة، فإنه أخذ المدفعية مع عزمه على الزحف إلى بيت لحم من أجل تدميرها وحرقها. وسكان المدينة مع حلفائهم أخذوا أملاكهم من الأديرة الثلاثة، وأبدوا استعدادهم لمواجهته. وقد خشي رجال الدين في الأديرة من هدم الأديرة وكنيسة المهد(19).

ب: الصلح بين الطرفين
وقد توسط رجال الدين المسيحيين بين باشا دمشق وبين الفلاحين منعاً لقيام الباشا بتدمير أديرتهم بالمدفعية. حيث حاولوا عقد الصلح بين الطرفين منعاً لإراقة مزيد من الدماء وإلحاق مزيد من التدمير. وبمساعدة الكيخيا وأعيان آخرون نجحت الوساطة ولكن الغرامة قد زادت إلى مائه ألف قرش(20) وقد توصل الباشا إلى الصلح لأن موسم الحج قد اقترب وعليه العودة إلى دمشق للاستعداد لتجهيز قافلة الحج وقيادتها(21).
وقد دفعت الأديرة المسيحية اليونانية ثلاثين ألفاً قاموا باقتراضها. وقد دفع سكان بيت لحم ثلاثين ألفاً كما دفع الأرمن والفرنك أربعين ألفاً أخرى. وبعد أن أعلن سكان بيت لحم تسليمهم وخضوعهم للباشا غادر الباشا إلى القدس تاركاً حراساً في المدينة وفي الأديرة. وقد حاول الباشا بذرائع متعددة مضاعفة المبالغ المفروضة على الأديرة اليونانية إلى ثلاثة أضعاف حيث كانت تدفع سنوياً ستين ألف قرش. وقد توصلوا في النهاية إلى دفع مبلغ مائة وعشرة ألاف قرش. وقد قام رجال الدين برهن جواهر إلى مرابي يهودي غني مقابل قرض بقيمة خمسين ألف قرش بفائدة كبيرة. وقد أصر الباشا على تحصيل كامل المبلغ حالاً. وكان ذلك في إبريل 1825م حيث اقترب عيد الفصح الذي صادف تلك السنة 29 إبريل فأمر الباشا_ طبقاً لمشورة موسى بك كما يحتمل_ بأن باب كنيسة القيامة لن يفتح. وقد انصاع متولي باب الكنيسة لأوامر الباشا ورفض فتح الباب. بعد محاولات لرفع الحظر وافق الباشا على قبول صك بالمبلغ المتبقي (ستون ألفاً) على بطريركية القدس من أحد رؤساء الكنيسة في استانبول(22)

ج: المرحلة الثانية: تجدد الثورة
وقد غادر باشا إلى دمشق في يوم الجمعة تاركاً المتسلم مع نحو مائة جندي في القلعة. وقال الراهب "نيوفيتوس" : "وحيث إن الباشا "الملعون" كان ظالماً ليس فقط للمسيحيين بل لليهود ومسلمي المدينة والفلاحين فإنه كان مكروهاً من قبل الكل على السواء"(23). وبمجرد مغادرته فإن سكان القدس قد انضموا للفلاحين وقرروا الثورة مرة ثانية. ولم يستطع المتسلم جمع الضرائب "الأعشار" (التي كانت متأخرة في بعض القرى) بسبب تجدد الثورة. فالجنود الذين وضعوا لحراسة بيت لحم أهانوا النساء، وأرعبوا المسيحيين اليونانيين والفرنك. وقد انضم بعض مسلمي بيت لحم للتعامرة في ثورتهم. وقُتل بعض الجنود بينما تم إبعاد الآخرين. وقد كتب المتسلم لمصطفى باشا حول تجدد الثورة، ولكن بسبب استعداد الأخير للذهاب على رأس قافلة الحج فإنه أجاب بأن على المتسلم أن يجمع جيشاً لمهاجمة وإخضاع سكان بيت لحم بكل ما يستطيع. وقام المتسلم بتعيين موسى بك قائداً على رأس الحملة، وأمر الشبان المسلمين في المدينة بحمل السلاح والانضمام للجيش. وغادر المدينة على رأس الجيش تاركاً فقط أحد عشر جندياً في القلعة، ومتزوداً بمدافع وذخيرة. وقد أغلق سكان بيت لحم وحلفائهم الطريق أمامه من خلال تحصين قرية بيت صفافا والقرى الأخرى الواقعة حول دير مار إلياس. وبعد ثلاثة أيام أُجبر السكان على التقهقر أمام نيران المدفعية، وعند ذلك تقدم المتسلم متخذاً موقعاً جيداً بين قرية بيت لحم وقرية بيت جالا. وخلال ذلك فإن معظم من كان في القدس ممن كانوا جنوداً أو حملوا السلاح سابقاً قد فكروا في التمرد. وحالاً وضعوا الفكرة موضع التنفيذ. وفي الخامس من يونيو 1925م فإن بعض الرجال الذين قد أُرسلوا نفذوا إلى القلعة وقاموا بمفاجأة الحارس، واستولوا على مفاتيح المخزن، وقبضوا على العشرة الباقين الذين كانوا غير مسلحين في الغرفة. وبعض المهاجمين اندفع إلى البرج منادياً بفرح طالباً السكان بالانضمام للثورة. وبسرعة قاموا بتسليح آخرين ووضعوا حارساً على بوابة القلعة. بعض السكان وجدوا أمنيتهم تتحقق فركضوا في سوق المدينة محرضين الكبار والصغار إلى النفير العام. بينما آخرون اندفعوا لحراسة بوابات المدينة من أجل منع جنود المتسلم من الدخول عند عودتهم(24).

وقد تسلح مسلمو القدس بكامل عتادهم مزهوين بها على الأسوار، ومطلقي النار في الهواء بشكل عشوائي. و قام الذين تجمعوا في القلعة برفع الرايات على البرج منشدين أناشيد النصر والظفر. وأعدوا المدفع لمهاجمة المتسلم الذي كان برفقة جنوده وسمع الضوضاء المستمرة المنبعثة من إطلاق النار في القلعة وأسوار القدس. وبعد أن نظر بمنظاره شاهد الرايات على برج القلعة، واعتقد أن اليونانيين قد وصلوا للاستيلاء على المدينة. لذلك أخذ رجال مدفعيته وجنوده بمن فيهم الذين جندوا من القدس وقفل عائداً للمدينة، ولكنه أخبر عندما اقترب منها بحقيقة ما جرى. فداخله الخوف فزحف رأساً إلى بوابة داوود عازماً دخول المدينة، ولكنه سمع مع جنوده الكلمات اللاذعة الذي صرخ بها من الأسوار "عد وأمضِ". فقد تفاجأ المتسلم من هذه الأحداث غير المتوقعة، وعجز عن التصرف بطلب منهم بشكل ذليل السماح له بالدخول وأخذ ممتلكاته الموجودة في السرايا، ولكن لم ينصت له أو لجنوده أحد. وحيث لم يتوفر له مكان للذهاب إليه فقد توجه إلى آل أبي غوش الذين أعطوا وعدهم بالسماح له بالمرور إلى الرملة دون خوف. وبعد إبقاء مدفعين بحوزة آل أبي غوش عبر مع جنوده إلى الرملة حيث تم استقباله من قبل متسلم المدينة. ولم يكتف المقدسيون بعدم السماح للمتسلم أو لجنوده بالمرور بل إنهم قبضوا أيضاً على حراس السرايا وقيدوهم، وسجنوهم. وقد تم إبعاد كل ألباني أو عثماني من المدينة بمن فيهم حسين بك الكافالي الذي عاش في المدينة لمدة اثنتي عشرة سنة(25).

وسيطر الثوار بذلك على مدينة القدس ونواحيها(26). لقد أصبح سكان القدس أسياد أنفسهم، ومستقلين تماماً وتصرفوا كلهم كزعماء وأعيان. ولاحقاً اجتمع الحكماء، وعينوا كقادة أثنين من الوجهاء الأقوياء. كان الأول منهم هو يوسف عرب الجب جي باشي (من البكتاشيين) والثاني هو أحمد آغا (العسلي) الدزدار. أما سكان بيت لحم وعرب العبيدية وسكان القرى الأخرى في القدس بمن فيهم المسيحيين فقد أُعفوا من معظم الضرائب. وقد تم تخفيض العوائد التي تدفع من قبل الأديرة(27). وقد يشير إلى تصرف زعماء الثورة كحكام حقيقيين في القدس ونواحيها. حيث قال العارف: "فأصبحوا مستقلين بكل ما في كلمة الاستقلال من معنى"(28).

قال الراهب "نيوفيتوس" : "لقد نجح المقدسيون في ثورتهم حيث حاولوا أن يخفوا ذنبهم ويؤمنوا الحرية التي أحبوها بولع... حيث فعل كل واحد منهم ما يأمل"(29). وقد كتبوا إلى محمد علي باشا والي مصر وإلى عبد الله باشا والي صيدا وإلى مستشاري السلطان مقدمين وصفاً وتبريراً لأعمالهم. ولكنهم لم يتمتعوا بحريتهم طويلاً "فبعد أن علم السلطان محمود الثاني بتمردهم أرسل لسكان القدس يطالبهم بالتسليم، وتقديم الطاعة كالسابق لوالي دمشق(30).

وقد أدت سياسة العنف والبطش التي اتسمت بها سياسية مصطفى باشا في زيادة التذمر ضد حكمه حتى في مدينة دمشق نفسها ولاسيما في أوساط التجار. وتوالت الشكاوي عليه حتى من قبل الحجاج الذين اتهموه بعدم المحافظة على القافلة وحمايتها حماية كافية، وقلة المؤن فيها، كما قدم قنصل فرنسا شكاوى ضد سياسة الوالي. ولذلك أقدمت الدولة على عزله بعد عودته من الحجاز وعينت بدلاً منه ولي الدين باشا في سبتمبر 1825م(31).

وقد ورد في رسالة من قائم مقام ولاية دمشق إلى متسلم القدس وعلمائها أن الدولة العثمانية "قد أنعمت تنصيب الشام وتوابعه وملحقاته وإلحاقه سنجق القدس ونابلس وإمارة الحج على سعادة أفندي الدستور الوقور الحاج ولي الدين باشا المفخم"(32).
ومع اقتراب موسم الحج في شوال 1241هـ/ أيار 1826م أصبحت الأموال المطلوبة من لواء القدس والمخصصات لمصاريف الحجاج ضرورية جداً. لذلك أصدر الوالي الجديد _ ولي الدين_ إلى متسلم القدس وأعيانها وعلمائها ومشايخ النواحي أن يقوموا بتجهيز الأموال المطلوبة منهم حتى حلول ركابه في الدورة المنوي القيام بها مذكرهم أن هذه الأموال والذخائر هي من أجل تمويل قافلة الحج حيث ورد في رسالته : "أنه غير خافي للجميع أن من أهم الأمور والمهمات العائدة إلى الدين والدولة هي خدامة طريق الحاج الشريف، وهذه الخدمة الشريفة واجبة على الجميع من رفيع ووضيع" (33). وقد نصت الرسالة أيضاً على تجهيز الذخائر والأموال المطلوبة "قد صممنا على حركة ركابنا من مقر حكومتنا محروسة الشام قريباً بعد تاريخه لطريق الدورة بالعساكر الكثيرة والجيوش الوفيرة، وبمنته تعالى شأنه نتشرف بزيارة المسجد الأقصى وصخرة الله المشرفة... فاقتضى إشعاركم بذلك لكي تبادروا بمداركة الذخاير السلامية... وتكون حاضرة قبل بيوم... أصدرنا لكم مرسومنا هذه من ديوان الشام والقدس ونابلس... فبوصوله ووقوفكم على مضمونة تعملوا بموجبة وتحاشوا مخالفته واعلموه واعتمدوه غاية الاعتماد"(34). ويبدو من المرسوم أنه يحمل صيغة تهديدية من خلال الإشارة إلى قدومه إلى الدورة بالعساكر الكثيرة والجيوش الوفيرة. كما أن المرسوم يتضمن صيغة ترغيبية عندما أشار إلى أن أموال الدورة ستذهب إلى تمويل قافلة الحج الشامي والتي تعد خدمتها واجبة على الجميع.

ولم يرغب ولي الدين باشا في الخروج بنفسه إلى الدورة بل أرسل كتخذاه عثمان أفندي. ويبدو أنه خشي مواجهة التمرد في جبال القدس. وقد أصدر والي الشام الجديد _ولي الدين_ مرسوماً إلى متسلمي سناجق القدس ونابلس وجنين يعلمهم بأنه وجه من قبله كتخذاه عثمان أفندي من أجل القيام بالدورة لجمع الأموال الأميرية التي تصرف على قافلة الحج الشامي وجاء في المرسوم الذي صدر في غرة شعبان 1241هـ ما يلي: "ومأذون من طرفنا بالتحصيل والربط والزبط والعزل والنصب وأمره من أمرنا ونهيه من نهينا... وكيلاً منصوباً من طرفنا ويكون مرفوع المقام مسموع الكلام مهما كان مرتب من أموال الميسرين وخدمات حجازية توريدهم على يده تماماً من غير نقصان وإن جميع ذلك مرتب إلى طريق الحاج الشريف"(35). ولم يخلُ المرسوم من تشديد على تحصيل الأموال الأميرية حيث نص "فاحذروا من التهاون والإهمال بذلك وتكونوا جميعاً بالاتفاق والاتحاد قلباً وقالباً معاذ الله التالي إن بدا من أحدكم أدنى تهاون أو قصور"(36).


وقد وصل عثمان باشا إلى نابلس وأرسل من هناك أوامره إلى علماء القدس وأعيانها بأن يسعوا لتحصيل الضرائب المطلوبة. وحاول قاضي القدس من المذهب الشافعي_ أحمد أفندي أبو السعود_ بالتوسط بين عثمان أفندي وبين زعماء الثورة في المدينة. وتم الاتفاق على أن يجمع أهالي القدس الضرائب ويقوموا بإرسالها إلى نابلس مقابل امتناع عثمان أفندي عن الحضور بعساكره إلى مدينة القدس ونواحيها. ولكن الأهالي لم ينفذوا ما اتفق عليه. وبالرغم من عدم نجاح عثمان أفندي في تحصيل الضرائب فأنه قفل عائداً إلى دمشق حيث كان مضطراً للعودة لدمشق ليساهم في إعداد قافلة الحج(37). وقد أثبت والي دمشق فشله في قمع التمرد، كما أنه لم ينجح في تأمين الحجاج وتقديم الخدمات المطلوبة، لذلك تم عزله وتعيين آخر خلفاً له(38). وقد وصف ميخائيل الدمشقي ولي الدين باشا بالقول: "كان عنده حمق وليس له تفتيش على شيء"(39).

كان السلطان محمود سنة 1826م منشغلاً بمذبحة الإنكشارية ووصل إلى مسامعه التمرد الذي قام به سكان القدس وعدم انصياعهم لأوامره. وبينما كان والي دمشق ولي الدين باشا في الحجاز أرسل السلطان محمود الثاني رسالة شديدة اللهجة إلى عبد الله باشا في أكتوبر 1826م يأمره بقيادة جيشه إلى القدس لإخضاع "الخونة المتمردين" ويسترد هيبة الدولة. وقد جمع الباشا نحو ألفين فقط وأرسلهم بقيادة كيخياه. حيث أخذوا معهم سبعة مدافع صغيرة ومدفعاً كبيراً(40).

لقد توقف الكيخيا في الرملة ودخل في مراسلات مع آل أبي غوش الذين وعدوا بالسماح له ولجنوده بالعبور إلى القدس في حالة حصولهم على هدية. وبذلك نجح الكيخيا في استقطاب آل أبي غوش وسلخهم عن التحالف مع زعماء القدس والفلاحين. وقد أنطلق إثر ذلك عابراً الممرات الجبلية الوعرة التي يسيطر عليها آل أبي غوش حيث وصل إلى القدس. وعسكر الكيخيا في مقابل القلعة قرب كنيسة القديس جورج وفرض حصاراً على المدينة. وقبل وصول الكيخيا عهد المقدسيون إلى بعض المسحيين واليهود بإغلاق بوابات المدينة بالحجارة. حيث يشير ذلك إلى نيتهم المقاومة. وقد أثار عزمهم هذا الكيخيا الذي قرر الكتابة إليهم بشكل ودي طالباً منهم قبول مجموعة صغيرة من الجنود في القلعة كإشارة على خضوعهم للسلطان. وقد وعدهم بأن يديروا شؤونهم بأنفسهم. وقد أرسل لهم رسائل عبد الله باشا التحذيرية التي تتضمن نفس العرض. ولكن ثوار القدس رفضوا التسليم. وأجابوا أنهم أقسموا مراراً على ألا يسلموا المدينة ثانية إلى الأجانب والغرباء (ويقصدون بذلك العثمانيين والألبان) وأنهم من أجل ذلك على استعداد للموت كرجال أحرار على أن يقبلوا نير الغرباء سواء أكانوا مسلمين أم لا(41).

وقد استعد أهالي القدس للدفاع عن مدينتهم، وأمنوا صداقة الطوائف الأخرى من مسيحيين ويهود، وعهدوا إليهم بسد أبواب المدينة بالحجارة. وقد حاول الكيخيا في بادئ الأمر أن يقنعهم بالاستسلام، فأرسل كتاباً ودياً لكل واحد من زعمائهم يطلب منه أن ينصح مقربيه بالتسليم. ولكنهم رفضوا قائلين: "إنهم أقسموا ألا يعدلوا عن ثورتهم، وألا يستسلموا للسلطان ما دام في مدينتهم... إنه لا فرق في نظرهم إذا ما بحث عن الأجنبي، بين شرقي أو غربي، بين تركي أو ألباني، وأنهم لعلى استعداد للموت في سبيل وطنهم. إنهم يريدون الاستقلال، ويؤثرونه على الخنوع والخضوع إلى الأجنبي: مسلماً كان أم غير مسلم"(42). يمكن القول إن هذا يحمل في طياته تطوراً هاماً في مفهوم الولاء. حيث يبدو هنا التراجع الواضح في الولاء للسلطان، وبالتالي تراجع الرابطة الدينية وحلول الرابطة الوطنية التي تجمع بين المسلمين والمسيحيين في المدينة. وهو يشكل تحولاً وتطوراً في مفهوم المواطنة. وإنها هنا ترتبط بالمكان وهو مدينة القدس. ويمكن القول أن الثورة تحمل في طياتها جذور تشكل الهوية الوطنية. فالحديث واضح هنا عن الفصل بين ما هو عربي وغير عربي. والتقسيم هنا على العرق وليس على الدين. كذلك الحديث هنا يأتي عن الفصل بين ما هو محلي وطني وبين ما هو أجنبي. و فوق ذلك يطرح هنا بوضوح مفهوم الاستقلال عن الدولة، ورفض الخضوع لها. وكل ذلك يشكل بالفعل تطوراً كبيراً على صعيد الهوية والانتماء والولاء. ويبرز هنا مفهوم التضحية في سبيل الوطن وتراجع مفهوم التضحية على أساس الدين.

وقد كتب لهم الكيخيا ثانية محذراً لهم من النتائج الكارثية لتمردهم، والتأثيرات البشعة للحرب. وقد أجابوا بنفس الإجابة السابقة. وقد انتظر الكيخيا يومين دون أي مؤشرات جديدة، لذلك أمر رجال المدفعية بقصف المدينة حيث وجهوا نيرانهم في البداية في الهواء ثم باتجاه القلعة. حيث اعتقد الكيخيا أن المدافعين سوف يفقدون شجاعتهم، ولكن فُوجئ بالمدافعين عن القلعة يردون بإطلاق النار، ومع ذلك فإنهم لم يصيبوا معسكر الجيش الذي كان متحصناً وراء التلة. وقد كانت أسوار المدينة محصنة ولذلك قاومت قذائف المدفعية التي كانت صغيرة. ولمدة سبعة أيام استمرت القذائف بالسقوط على القلعة ولكن بدون تأثير لأن حجارة القلعة أولاً كانت قوية وثانياً لأنها كانت مغطاة بالخشب والقصب والطين. وقد أرسل الكيخيا لعبد الله باشا تقريراً يتضمن الأحداث الجارية الذي غضب وعلى الفور أرسل مدافع جديدة تستطيع ضرب قنابر كبيرة. حيث نصبت المدافع الجديدة على جبل الزيتون لقصف القلعة. حيث إن المسافة كانت كبيرة فإنها لم تؤثر كثيراً ولذلك تخلى الكيخيا عن قصف القلعة وفتح النار على منازل الأعيان. وقد أحدث ذلك انقساماً بين مسلمي المدينة إذ انقسموا إلى قسمين. فهم لم يتعودوا على الحصار الذي داهمهم فجأة. حيث عانى الفقراء من عسر شديد، وأصبحوا لا يستطيعون تحصيل الطعام الذي يأتي من خارج المدينة(43).

وقد أفزعت القنابل والرصاص النساء والأطفال. وبدأ العديد منهم يتذمر ويدعو على زعماء المدينة وكذلك على الموجودين في القلعة. وحدث سخط وهياج وبدأ العامة يتداولون أنه من الأفضل الاستسلام. وقد عُرض الاقتراح على الثوار المتواجدين في القلعة فرفضوا ذلك في بادئ الأمر لأنهم كانوا أول من ثار، وخشوا من عقوبة الإعدام. ولكن كان هناك اتفاق عام بأن يختبروا أولاً عروض الكيخيا عليهم. ولذلك فتحوا بوابة داوود وسمحوا لمجموعة من الأعيان كبار السن بالمرور والذهاب إلى معسكر الكيخيا حيث تم استقبالهم بترحاب. وقد وعد الكيخيا بالعفو العام، وتم الاتفاق كذلك على قيام الفلاحين مستقبلاً بدفع ضرائب الميري العادية من دون زيادات أو غرامات. وأن لا يتدخل العساكر في القلعة على الإطلاق بالشؤون السياسية أو أي أمور أخرى للمدينة. وقد عاد الكبار إلى المدينة لأخبار الأهالي باتفاق التسليم، فوافق الجميع على الشروط ما عدا المتواجدين في القلعة الذين أبدوا شكهم ورفضوا الخروج منها. ولكن بعد إقناعهم من بقية الأهالي وافقوا على الخروج بشرط أن يأخذوا معهم إلى بيوتهم ممتلكاتهم التي كانت في القلعة. حيث طلبوا مهلة ثلاثة أيام من أجل ذلك، وتم ضمان ذلك لهم. وقد أخذوا معهم أشياءهم وكذلك أخلوا مخازن المواد الغذائية الموجودة هناك مثل الذرة... الخ، وكذلك ذخائر حربية مثل البارود ورصاص والذي تم إخفائها في مخابئ المنازل. وقد أخذ القادة أشياءهم الثمينة إلى الأديرة حيث تم إخفائها بأمان. وبعد ثلاثة أيام قدم يوسف جبه جي وأحمد آغا دزدار إلى الكيخيا، وسلما أنفسهما وكذلك قدما مفاتيح القلعة. وفي نفس الوقت تم إرسال ثلاثمائة عسكري للسيطرة على القلعة. وقد تم إرسال الزعيمين المذكورين إلى عبد الله باشا كما أمر ليبت في أمرهما رسمياً. ولكنهم لم يعانيا من أي سوء معاملة كما جرى الاتفاق. ولكن تم أمرهما بعدم العودة للعيش في القدس. حيث نفي يوسف آغا إلى الرملة فيما نفي أحمد آغا إلى نابلس. حيث سيطر عبد الله باشا على القدس، وعين عليها متسلماً بشكل مؤقت. ثم كتب إلى والي دمشق أن يرسل من طرفه متسلماً وعساكر كما كان سابقاً وذلك بناء على أمر السلطان. وفي العشرين من ديسمبر من نفس السنة (1826) وصل إلى المدينة متسلم جديد وعساكر من قبل الوالي الجديد الذي حل محل مصطفى باشا، وقامت عساكر عبد الله باشا بالمغادرة(44).

ومن الجدير بالذكر أن القحط قد أصاب فلسطين في سنة 1826م مما زاد الأوضاع سوءاً ودفع رهبان الروم في القدس إلى إرسال رسالة إلى محمد علي باشا _ والي مصر _ بتاريخ 17/ محرم 1242هـ يسترحمونه بأن يؤذن لهم بابتياع 500 إردب حنطة و50 إردباً أرز بالسعر الرائج والثمن لمضي سنة(45). وقد قال حسن آغا العبد: "وفي زمن ولايته (ولاية والي الدين) ضربت جميع إيالة الشام من العرب (البدو)، والجراد والظلم. بحيث أبيعت الحنطة بخمسماية قرش، وقنطار السمن بألف ومائتين قرش وماله من وجود، وقنطار الرز بمايتين وخمسين قرش. ربنا تعالى يلطف بعباده"(46).

وبعد انتهاء ثورة القدس أرسل محمد علي رسالة إلى عبد الله باشا يشير فيها إلى علمه بانتهاء فتنة القدس، "ويظهر سروره وابتهاجه"(47). ويبدو أن محمد علي قد لعب دوراً رئيساً في إنهاء الثورة، ربما من خلال طلبه من زعماء القدس إنهاء الثورة حيث ورد في رسالة من محمد نجيب أفندي (من كبار كتاب محمد علي) إلى محمد علي "إن ثورة القدس انتهت، وإن رجال الدولة كانوا يعتقدون أن عبد الله باشا هو الذي أنهاها ولكن التقارير الواردة تدل أن سطوة العزيز قضت عليها"(48).

ومن الجدير بالذكر أن عدداً من أشراف القدس وزعمائها قد غادروا المدينة خلال الثورة، وانتقلوا إلى مصر ربما خشية على أنفسهم أو أملاكهم أو عواقب الثورة. وقد عادوا إلى القدس بعد انتهاء الثورة ومنهم محمد رشيد أفندي، والسيد محمد تاج الدين. حيث وجه محمد علي رسالة بشأنهما إلى والي دمشق بتاريخ 9 جمادي الآخرة 1242هـ يوصيه بهما بعد رغبتهما في العودة إلى القدس(49). وكذلك كان ممن التجأ إلى مصر بعد اندلاع الثورة محمد عفيفي آغا الانكشارية في القدس، وعاد إليها بعد انتهاء الثورة(50). وممن التجأ أيضاً حاجب كنيسة الأرمن في القدس حيث حصل على هبة من الخزينة المصرية بأمر من الديوان الخديوي أثناء إقامته في مصر(51).

وبعد أن تمكن عبد الله باشا من إخضاع القدس سلمها إلى والي دمشق وانسحب عملاً بأوامر السلطان. فتم تعيين متسلم جديد تم تعزيز سلطته بقوة كبيرة من الجند. حيث طالبهم بدفع الضرائب المتأخرة عن سنتين: الحالية والمنصرمة(52).

نتائج الثورة:

- أبرزت الثورة قوة عبد الله باشا وساهم ذلك في قيام الدولة لاحقاً بضم سناجق فلسطين التابعة لولاية دمشق إلى حكمه.
- أبرزت الثورة مدى السخط الذي أصاب سكان القدس وأعيانها وفلاحي جبالها على الحكم العثماني الذي بالغ في فرض الضرائب الباهظة، وتعسف في تحصيلها. حيث شهدت فلسطين خلال عشرينيات القرن التاسع عشر العديد من التمردات ضد تعسف المتسلمين والولاة في جمع الضرائب وفرض مركزية الدولة كما حدث في لواء غزة سنة 1821م، والقدس 1824-1826م، ولواء نابلس سنة 1829م.
- أظهرت الثورة ازدياد دور الفلاحين في صنع الأحداث التاريخية، حيث أنهم أبرزوا كفاءة واعية بحقوقها، حريصة على الدفاع عن مصالحها ضد المتسلمين والولاة. وهذا يعد تحدياً للنظرة الاستشراقية التي تحاول تصوير المجتمع الفلسطيني الفلاحي على أنه مجتمع جامد متخلف. فقد أثبت الفلاحون تفاعلهم مع الأحداث وقيادتها. وهذا يدعو إلى إعادة كتابة التاريخ بحيث يتم وضع الفلاحين الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من سكان فلسطين في التاريخ. وبالتالي محاولة كتابة التاريخ كتابة شعبوية.

- أبرزت الثورة ازدياد تدخل والي مصر _محمد على باشا_ في شؤون فلسطين وبلاد الشام. حيث راسل الثوار والي مصر الذي أسهم في انتهاء الثورة.
- إن الذي لاشك فيه أن ثورة القدس قد أسهمت في تعزيز مكانة المدينة، وأبرزت دورها المركزي في الأحداث الجارية في فلسطين. وهذا شكل بحد ذاته اتجاه المدينة نحو تَبّوء مركز الصدارة على المدن الأخرى باتجاه تحولها إلى عاصمة فلسطين التاريخية.

الهوامش:

1-الشهابي، حيدر: لبنان في عهد الأمراء الشهابيين، 3 أجزاء، نشر وتعليق أسد
رستم، وفؤاد أفرام البستاني، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 1969م.
2- نوفل، نعمة الله نوفل: كشف اللثام عن محيا الحكومة والأحكام في إقليمي مصر
وبر الشام، جروس برس، طرابلس، 1990م.
3- ميخائيل، مشاقة: منتخبات من الجواب على اقتراح الأحباب، تحقيق أسد رستم وصبحي أبو شقرا، منشورات مديرية الآثار اللبنانية، بيروت، 1955م؛ مشهد العيان بحوادث سوريا ولبنان، دراسة وتحقيق سهيل زكار، 1982م.
4- ميخائيل، الدمشقي: تاريخ حوادث الشام ولبنان أو تاريخ ميخائيل الدمشقي 1192-1257هـ/1782-1841م، تحقيق أحمد غسان سبانو، دار قتيبة، دمشق، ط1، 1981م.
5- حسن، آغا العبد: تاريخ حسن آغا العبد قطعة منه حوادث سنة 1187-
1241هـ، تحقيق يوسف نعيسة، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي،
دمشق، 1979م.
6- مناع: تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700-1918م قراءة جديدة،
مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، ط1، 1999م، ص 126.
7- Spyridon, S.N: Annals of Palestine 1821-1841, The Journal
of the Palestine Oriental Society, vol. xviii., Nos. 1-2, Jerusalem, 1938, p. 73-74) )
8- 73-74Spyridon: pp.
9- رؤوف، أبو جابر: الوجود المسيحي في القدس خلال القرنين التاسع عشر
والعشرين، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2004م، ص 20.
10- 73-Spyridon: p.
11- 73-Spyridon: p.
12- مناع: تاريخ فلسطين، ص 126.
13- المدني: القدس ، ص 48)
14- 74-75Spyridon: pp.
15- مناع: تاريخ فلسطين، ص 126.
16-Spyridon: p. 76.
17- . 74-75Spyridon: pp.
18- Spyridon: p. 76.
19- Ibid.
20-Spyridon, p. 77.
21- مناع: تاريخ فلسطين، ص 126.
22- Spyridon:, p. 7.
23- Spyridon, pp. 78-79.
24- Ibid
25- Ibid: p.79.
26- مناع: تاريخ فلسطين، ص 126.
27- Spyridon:, pp. 80
28- العارف: المفصل في تاريخ القدس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،
بيروت، ط3، 2005م، ص 546.
29- Spyridon:, pp. 80-81.
30- Ibid
31- مناع: تاريخ فلسطين، ص 127.
32- سجل المحكمة الشرعية في القدس رقم 309، ص 74-75.
33- سجل المحكمة الشرعية في القدس رقم 310: ص 2.
34- سجل المحكمة الشرعية في القدس رقم 310، ص 2.
35- سجل المحكمة الشرعية في القدس رقم 310، ص 31.
36- سجل المحكمة الشرعية في القدس رقم 310، ص 31.
37- مناع: تاريخ فلسطين، ص 128.
38- مناع: تاريخ فلسطين، ص 128.
39- الدمشقي: ص 75.
40-Spyridon:, pp. 80-81.
41- Spyridon, pp. 81-82.
42- العارف: المفصل في تاريخ القدس، ص 547.
43- Spyridon:, pp. 81-82.
44- Spyridon:, pp. 82-83
45- أسد، رستم: المحفوظات الملكية، ج1، بيروت، 1940م، ص 88، وثيقة رقم
206.
46- آغا العبد: ص 181.
47- رستم: المحفوظات الملكية، ج1، ص 89، وثيقة رقم 208.
48- رستم: المحفوظات الملكية، ج1، ص 90، وثيقة رقم 213.
49- رستم: المحفوظات الملكية، ج1، ص 92، وثيقة رقم 216.
50- رستم: المحفوظات الملكية، ج1، ص 92، وثيقة رقم 217.
51- رستم: المحفوظات الملكية، ج1، ص 93، وثيقة رقم 220.
52- العارف: المفصل في تاريخ القدس، ص 544-548.

* شكرٌ خاص للقائمين على المؤتمر الدوليّ لنصرة القدس الأول الذي انعقد في كلّ من القدس المحتلة وغزة وبيروت في الفترة 6-7 حزيران 2007م حيث قًدّم هذا البحث في الجلسة الثالثة من المؤتمر والذي تناول المحور التاريخي لقضيّة القدس.
 
القبائل القيسية والقبائل اليمنية PDF طباعة أرسل إلى صديق
الكاتب: Main Author   
هذا ومن الجدير ذكره بأن أهالي بيت محسير هم قيسيون ، حيث برزت القيسية كقوة سياسية وعسكرية كبيرة في صدر الإسلام وفي العصر الأموي مما أدى إلى اصطدامهم بقبيلة " بني كلب " القبيلة الرئيسية وهذه سميت بالقبائل اليمنية فشهد عصر معاوية الثاني تحرك القبائل القيسية في شمال شرق بلاد الشام وقد امتنعوا عن بيعه معاوية الثاني وحنقوا على ما لكلب من منزله وقد انضمت قيس إلى ابن الزبير بعد وفاة معاوية الثاني (64 هـ /684 م ) وثار الضحاك ابن قيس القهري القيسي على مروان ابن الحكم ولكن نفوذ القيسية تضعضع بعد معركة مرج راهط الذي أنتصر فيها مروان ابن الحكم وقتل الضحاك .
وتمكن العباسيون من هزيمة الأمويين في موقعة " الزاب الكبير " وقد أهتم العباسيون بإخماد الفتن بين القيسية واليمنية من أجل الأمن ومن خلال حكم العباسيون وتراصي قبضتهم حكمت دول ضمن إطار الدولة العباسية مثل الدولة الطولونية والإخشيدية والحمدانية إلى أن تمكنت الدولة الفاطمية من احتلال الشام ، وهذا التفسخ والتناحر أدى إلى عدم الاستقرار وضعف الهبة الإسلامية أمام الغزو الصليبي الذي بدء عام 1098 و انتهى بالسيطرة على الساحل الشامي وأقامة الإمارات الصليبية الرها ـ أنطاكية ـ بيت المقدس وقد انتزعوها من حاكمها الفاطمي افتخار الدولة .
وبعد ذلك قيض الله للأمة العربية والإسلامية البطل صلاح الدين الأيوبي الذي تمكن من الإنتصار على الصليبين في موقعة حطين عام 1187 م.
بعد ذلك تابع المماليك حركة التحرير إلى أن تمكنوا من تطهير بلاد الشام من الصليبين كذلك قام المماليك بدفع الخطر والإنتصار على المغول في عين جالوت سنة 1260 م.
وكان جبل القدس عبارة عن سنجق كامل يتألف من النواحي التالية :
ناحية بني زيد ، ناحية بني مرة ، ناحية بني سالم ، ناحية بني حمار ، ناحية بني حارث الشمالية ، ناحية بني حارث القبلية ، ناحية بني مالك ، ناحية بني حسن ، ناحية العرقوب ، ناحية القدس ناحية الوادية .
وكان يؤلف مع سناجق أخرى بشالق الشام والذي عاصمته دمشق
على أن النكبة السكانية لفلسطين الفرنجية جاءت بعد الفتح الإسلامي فانهيار القوة الإحتلالية في حطين ترك المدن مكشوفة تقريباً كما ترك الفرنجة بالذات دون مبرر وجود ، ولأنهم لم تكون رابطة لهم في الأصل مع البلاد لذلك جمعوا ما يملكون من مال ومتاع ومشوا قوافل من القدس إلى موانئ الساحل ومنها إلى أوروبا وفرغت فلسطين مرة أخرى حوالي عام 1200 م كما فرغت في المرة الأولى سنة 1098 م عقب الاحتلال الإفرنجي لها . ولكن القوة العسكرية الفرنجية لم تخل تماماً من المناطق المجاورة لفلسطين أو حتى الموانئ الفلسطينية وإنما تحصنت فيها على موعد مناسب من أجل إعادة اجتياح باقي فلسطين وفي ظل هذا الخطر القائم على المناطق الفلسطينية المحررة ـ المناطق الجبلية في وسط فلسطين والسهل الجنوبي ، وفي ظل الفراغ السكاني الكبير التي كانت تعاني منه فلسطين أخذ صلا ح الدين الأيوبي في بحث دؤب عن حل لهذه القضية ، ولم يكن صلاح الدين الأيوبي قائداً عسكرياً فذاً فقط بل كان سياسياً قوياً يسوس الأمور علة خير ما تكون مصلحة الرعية وذلك بفضل الاستعانة بآراء وزرائه والاستماع لمستشاريه والأخذ باقتراحاتهم آخذاً أولاً على عاتقه إحياء المظاهر الإسلامية في القدس وغيرها من المدن الفلسطينية وكذلك فإنه استقدم عدة قبائل عربية وطنها في القدس واقطعها الأحياء والمنازل وتذكر المصادر أنه وبعد فترة قصيرة قام صلاح الدين بإعادة توزيع القبائل العربية على ريف فلسطين عامة وعلى ريف بيت المقدس وأن هذه القبائل لم تنتقل إلى الريف إلا بعد عام 1293م وهي السنة التي طرد فيها آخر صليبي من بلاد الشرق العربي ، وما ورد ذكره أنه في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي قام سلاطين بني أيوب ومن بعدهم سلاطين المماليك بتوزيع قرى وأراضي البلاد على القبائل العربية .
فأخذ بنو زيد 24 قرية وبنو مرة 8 قرى وأخذ بنو حارث 14 قرية وأخذ بنو حمار 11 قرية وأخذ بنو صعب 28 قرية وأخذ بنو حسن 13 قرية .
أما القبائل التي انتقلت واستوطنت الريف الفلسطيني بعد منحها لتلك الأراضي فإن صلاح الدين قرر أن لا يؤدي انشغال هذه القبائل في التعمير والزراعة والتجارة إلى إهمالها إلى العدو الرابض خلف الخندق ولهذا فإنه جدد بعض المناسبات واستخدمت بعض المناسبات أعياداً وهن هذه المواسم : ـ
ـ النبي صالح في الموقع الذي يدعى نفس الاسم اليوم
وموعده يوم الجمعة الحزينة لبني زيد .
ـ النبي عنيز في منطقة بني حارث وموعده يوم الجمعة
المذكورة لبني حارث .
ـ النبي صالح في الرملة لبني حمار .
ـ النبي موسى لبني حسن ، وبني مالك .
وكانت المواسم المذكورة تقام في أوقات معينة من السنة لأن الناس كانت تتوقع تجدد الغزوات الصليبية في تلك الأوقات وخاصة يوم الجمعة الحزينة عند المسيحيين والتي تشهد قدوماً كبيراً لآلاف الحجاج المسيحيين إلى القدس .